الوجود الإيراني في سوريا حماية حليف أم تعقيد للصراع الظهيرة
الوجود الإيراني في سوريا: حماية حليف أم تعقيد للصراع الظهيرة؟
يشكل الوجود الإيراني في سوريا، موضوعًا معقدًا ومثيرًا للجدل، تتجاذبه وجهات نظر متعددة ومصالح متضاربة. الفيديو المعروض على يوتيوب تحت عنوان الوجود الإيراني في سوريا حماية حليف أم تعقيد للصراع الظهيرة؟ يسعى إلى استكشاف هذا الموضوع من زوايا مختلفة، محاولاً الإجابة على السؤال المحوري: هل يمثل الوجود الإيراني في سوريا حماية لنظام حليف، أم أنه يزيد من تعقيد الصراع ويطيل أمده، بل وربما يهدد استقرار المنطقة بأسرها؟
للإجابة على هذا السؤال، يجب أولاً فهم طبيعة العلاقة بين إيران وسوريا، والتي تعود بجذورها إلى عقود مضت. العلاقة بين البلدين ليست وليدة الأزمة السورية، بل هي تحالف استراتيجي مبني على تقاطع مصالح وتوجهات إيديولوجية وسياسية. فكلا النظامين، قبل اندلاع الأزمة، كانا يمثلان جزءًا من محور مناهض للنفوذ الأمريكي والإسرائيلي في المنطقة، ويدعمان قضايا مثل القضية الفلسطينية. هذه العلاقة تعززت بشكل خاص خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينيات، حيث وقفت سوريا إلى جانب إيران في وجه دعم دول عربية أخرى للعراق.
عندما اندلعت الأزمة السورية في عام 2011، كان من الطبيعي أن تسارع إيران لتقديم الدعم لنظام بشار الأسد. بالنسبة لإيران، سقوط النظام السوري كان يعني خسارة حليف استراتيجي هام، وربما تغيير في ميزان القوى في المنطقة لصالح خصومها. لذلك، قامت إيران بتقديم دعم عسكري واقتصادي وسياسي كبير للنظام السوري، بما في ذلك إرسال مستشارين عسكريين ومقاتلين من الحرس الثوري الإيراني، بالإضافة إلى دعم من ميليشيات شيعية متحالفة معها من دول أخرى مثل لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان.
من وجهة نظر إيران، فإن تدخلها في سوريا يهدف إلى حماية نظام حليف من السقوط، ومنع تحول سوريا إلى دولة فاشلة أو ساحة حرب أهلية دائمة. كما ترى إيران أن تدخلها يهدف إلى مكافحة الجماعات الإرهابية المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وجبهة النصرة، والتي تشكل تهديدًا ليس فقط لسوريا، بل أيضًا لإيران والمنطقة بأسرها. إيران تعتبر نفسها قوة إقليمية مسؤولة عن الحفاظ على الاستقرار والأمن في المنطقة، وترى أن تدخلها في سوريا يندرج ضمن هذه المسؤولية.
إلا أن هذا الرأي الإيراني يواجه انتقادات حادة من قبل قوى إقليمية ودولية أخرى. فدول مثل السعودية وتركيا وقطر، بالإضافة إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية، ترى أن الوجود الإيراني في سوريا يمثل تدخلًا سافرًا في الشؤون الداخلية السورية، ويساهم في إطالة أمد الصراع وتفاقم الأزمة الإنسانية. هذه الدول تتهم إيران بدعم نظام قمعي مسؤول عن قتل مئات الآلاف من المدنيين وتهجير الملايين، كما تتهمها بتأجيج الطائفية في المنطقة من خلال دعم الميليشيات الشيعية.
بالإضافة إلى ذلك، يرى العديد من المراقبين أن الوجود الإيراني في سوريا يهدف إلى تحقيق أهداف استراتيجية أبعد من مجرد حماية نظام حليف. فالسيطرة على سوريا تسمح لإيران بتأمين ممر بري إلى لبنان، حيث يوجد حزب الله، الحليف القوي الآخر لإيران. هذا الممر البري يعزز النفوذ الإيراني في المنطقة، ويسمح لها بنقل الأسلحة والمقاتلين والإمدادات إلى حزب الله بسهولة أكبر. كما أن الوجود الإيراني في سوريا يسمح لإيران بمراقبة إسرائيل عن كثب، وربما استخدام الأراضي السورية كقاعدة لشن هجمات ضدها في المستقبل.
الصراع في سوريا تحول إلى حرب بالوكالة بين قوى إقليمية ودولية متنافسة، وإيران هي إحدى هذه القوى الرئيسية. الوجود الإيراني في سوريا ليس مجرد مساعدة لنظام حليف، بل هو جزء من استراتيجية إقليمية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، ومواجهة خصومها، وحماية مصالحها. هذه الاستراتيجية تتضمن دعم حلفاء مثل النظام السوري وحزب الله، وتشكيل ميليشيات شيعية موالية لها، واستغلال الفراغ الأمني والسياسي في دول مثل العراق وسوريا واليمن.
النتيجة النهائية لهذا الصراع هي تعقيد الأزمة السورية وتأخير حلها. الوجود الإيراني في سوريا يمنع تحقيق أي تسوية سياسية حقيقية، لأنه يجعل من الصعب على الأطراف المتنازعة التوصل إلى اتفاق. المعارضة السورية، المدعومة من قبل قوى إقليمية ودولية أخرى، ترفض التفاوض مع نظام مدعوم من إيران، وتطالب بانسحاب جميع القوات الأجنبية من سوريا قبل البدء في أي مفاوضات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الوجود الإيراني في سوريا يزيد من خطر نشوب صراع إقليمي أوسع. التوترات بين إيران وإسرائيل تصاعدت بشكل كبير في السنوات الأخيرة، وكلا البلدين تبادلا الضربات في سوريا عدة مرات. أي تصعيد كبير في هذه التوترات يمكن أن يشعل حربًا إقليمية مدمرة، تشارك فيها دول أخرى مثل لبنان والأردن والعراق.
الأزمة السورية أدت إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة، وملايين السوريين يعيشون في حالة من الفقر واليأس. الوجود الإيراني في سوريا يساهم في تفاقم هذه الأزمة، لأنه يدعم نظامًا مسؤولًا عن ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. الدعم الإيراني للنظام السوري يسمح له بمواصلة قمع شعبه، ومنع عودة اللاجئين والنازحين إلى ديارهم.
في الختام، يمكن القول إن الوجود الإيراني في سوريا هو أكثر من مجرد حماية لنظام حليف. إنه جزء من استراتيجية إقليمية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ الإيراني في المنطقة، ومواجهة خصومها، وحماية مصالحها. هذه الاستراتيجية، على الرغم من أنها قد تكون مفهومة من وجهة نظر إيران، إلا أنها تساهم في تعقيد الأزمة السورية، وتأخير حلها، وزيادة خطر نشوب صراع إقليمي أوسع، وتفاقم الأزمة الإنسانية. لحل الأزمة السورية، من الضروري أن تنسحب جميع القوات الأجنبية من سوريا، وأن يتمكن السوريون من تقرير مصيرهم بأنفسهم دون تدخل خارجي. وهذا يتطلب حوارًا جادًا بين جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك إيران، للتوصل إلى حل سياسي عادل ومستدام يحقق السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة.
مقالات مرتبطة
Youtube
مدة القراءة